A women of stone

 أمرأة من حجر 
(1)
 " أكاد لاأصدق بعد أن هذه الشقة هى ملكى , أتنقل من حجرة الى أخرى أتحسس الأبواب والأثاث والجدران , كـأنما أقنع نفسى بأنها حقيقية ملموسة , وأننى أملكها .
طريق طويل قطعته فى أكثر من عشرة سنوات من بيت عائلة زوجى حتى وصلت الى الشقة التى أملكها الأن .. ومن العجيب أننى أشعر وكأن شيئا لم يقع لى أطلاقا , شيئ أخجل منه , منذ أنتقالى من هناك , أو هكذا أحاول أن أقنع نفسى , أحاول أن أشعر كأن كيانى كله كائن هنا , بلا ماضى .

أننى مازلت شابة فى الثلاثين , جميله ، وأشعر أن كيانى هنا , حاضرى هنا , بلا ماضى , بلا خلفيات مشينة , بلا ذكريات . ولاشك أننى قبل أن أصل الى هذه الشقة مررت بمراحل كثيرة فى حياتى , أشك أن كنت أستطيع أن أنتزعها من جسدى وأتخلص منها . أن هناك من لهم ماضى يظل لصيقا بهم لايمحى من ذاكرتهم  , وهناك من كان لهم حياة أخرى لايدلون عليها ولايعثرون لها على ذكرى . أننى  أمرأة حاولت أن لاتلتفت الى الماضى وألا تحولت الى حجر" تخاطب الصمت , تقترب , فتتذكر الراقد فى الجوار, تشعر بطعم المرارة فى حلقها , على مهل , تدفع الباب , تتمنى لو لم يعد له وجود , الظلام والصمت ورجل يسكن غيبوبته يتشاركون الغرفة بينما الموت ارتضى ركنا قريبا ينتظر , اضاءت المصباح المتدلى من السقف فأطلق نوره يبدد الظلمة , استندت على الباب تتأمل المكان , رجل ذو لحية أقترب من الأربعين , ممدد على فراش لايرتفع عن الأرض كثيرا وقد غزا الشيب رأسه ونحل جسمه , فهو جلد على عظم , شاحب الوجهه مليئ بالتجاعيد , فمه منفرج وعيناه غائرتان فى محجريهما , نظره مثبت على السقف ذى اللون الأبيض , غرست فى جلده ابرة متصلة بانبوبة تحقنه سائل لالون له يتقطر من كيس بلاستيكى معلق فى الفراغ فوق رأسه تماما , ومقعد يستند على الحائط لاجدوى من وجوده ، تضفى على نظرها مسحة من قلق غريب وهى تتأمل حوائطها المدهونه بلون رمادى , وظلال اشباح تتراقص فى الفراغ تداعب مخيلة المكان الغارق فى وحدته الدائمة , ينتهى تأملها ويتوقف عند الرجل الغارق فى غيبوبته , تعده من الموجودات , تتأمله لبرهه ثم تغادر وهى ترمقه بنظرة لامعنى لها . لايغير غيابها الواقع فى شيئ , فالرجل مازال لايتحرك , ومازال يتنفس ببطء وفى صمت . عندما عادت جلست بجواررأسه لتضع يدها من جديد على صدره , ثم ترتفع على جبهته , ثم تعود لتغوص فى شعر لحيته , تتحرك يدها برفق لتمتد الى الشفتين وتلامس الأنف والعينيين المغلقتين ثم تعود الى الجبهه " هل تشعر بيدى " تسأله , وهى تضع يدها على جبهته , وقد احنت جسدها ومالت على الرجل شاخصه اليه , لاأشارة , قربت اذنها من شفتيه , لاأشارة , مازال على هيئته التائهه , فم منفرج ونظره شارده " أعطنى اشارة لتعلمنى انك تشعر بيدى وأنك تحيا , أنك تعود الى .. اشارة بسيطة تمنحنى شيئا من القوة ومن الأيمان " ترتعش شفتاها وتتوسلان , تزداد انحناءتها  " كلمه فقط " ثم تلامسان اذن الرجل وتهمسان " ارجو على اي حال ان تسمعنى " وتلقى برأسها على الوساده , تنظر الى السقف , تتمهل لتنتقى كلماتها " أعطنى اشارة لعلك بعدها تحيا ... أتسمعنى" تنتظر, ثم تهزرأسها وهى تسأله بلا أمل "  لماذا تتمسك بالحياة هكذا ؟" تتكأ وهى تنظر الى الرجل بلا أمل  " لاأدرى لماذا أحتفظ بك ؟" ثم تنقلب على ظهرها ويشرد نظرها حيث يشرد نظر الرجل , يمر وقت غيرمعلوم تنهض المرأة ببطء محدقة فى الرجل بيأس, تضع يدها على صدره مجددا " ان كان بوسعك ان تتنفس فلماذا لاتتوقف عن التنفس ؟ تستطيع ان تحبس تنفسك , اليس كذلك ؟ احبسه مرة واحدة فقط " وتدنى اذنها من فمه تصغى اليه , تسمعه , انه يتنفس , تشعر بيأس , تغمغم " لم أعد احتمل ذلك " تتنهد فى غيظ وهى تنهض جالسة , مرت لحظات تحدق فى الأرض ثم اجالت النظر فيما حولها ببطء , تأملت الغرفة التى لايسكنها الا الصمت , ورجلها , هذا الجسد الممدد فى الفراغ  , هذا الجسد الفارغ , اجتاح القلق نظرتها , ثم نهضت فجأة , وغادرت "  ليس لدى ماأفعله سوى الحديث الى جثة ميته " يسمع صوتها فى الردهه تتحدث الى السكون القابع فى الارجاء , أنها تخاطب جسدا ميتا لايربطه بالحياه سوى أنفاس تتردد فى صمت هذا العالم الذى يعيشون فيه بلا حياه ، لاتخاطب سوى كيس محلول معلق فى فضاء الرجل الغارق فى غيبوبته ، جسد لايتحرك فيه سوى عينين على أستحياء ، أحيانا , تتحركان فى تجويفين حجريين , لاترى من خلال العينين سوى صرخات موجعه بالأستسلام للقدر الوشيك القادم لامحاله , يحتاج كل منا أحيانا أن يبوح بلا خوف ولاخجل بكل أحاسيسه ومشاعره الدفينه حتى الى حجر ، هناك أشياء تتجاوز قدرتنا على الصمت ، هذا الحمل الثقيل الذى نحتفظ به يظل يؤرقنا ، نريد أن نتخفف من أثقاله بأعلانه. الرجل بالنسبه لها مجرد أنفاس تتردد ، ولكنها لاتزال تحتاج أليه جسدا ، لكى تستطيع البوح للحجر .

تعليقات